مثال آخر في سورة الضحى: (ما ودّعك ربك وما قلى) : نفى تعالى في هذه الآية شيئين: نفي التوديع وهو لا يكون إلا بين الأحباب والأصحاب، ونفى القلى الذي لا يكون إلا للمتباغضين. وقد يسأل البعض لم لم يقل تعالى (وما قلاك) كما قال (ما ودعك) والحقيقة أنه في الأمر المحبوب نفى الله تعالى بقوله (ما ودعك) باستخدام ضمير المخاطب لأنه الرسول - ﷺ - وفيه تكريم له بذكر حرف المخاطب أما في قوله (وما قلى) فلا يصح استخدام (قلى) بين المحبين وقد كرّم تعالى رسوله - ﷺ - عن أن يكون من المبغوضين فلم يقل (وما قلاك) حتى لا يكون الخطاب مباشرة للرسول - ﷺ - من ربه الذي يحبه ولا يقليه واستخدام فعل قلى لا يليق أن ينسب للرسول - ﷺ -. فجاء التكريم في هذه الآية من الله تعالى لرسوله في ذكر المفعول به بـ (ما ودعك) وتكريم بعدم ذكره بـ (ما قلى) فكرّمه بالذكر وبالحذف.
كذلك في سورة المدثّر لا يمكن أن تكون الفاصلة منفصلة عن المعنى فلو اقتضى المعنى ترك الفاصلة تركها فالمعنى يأتي أولاً في عموم القرآن وتلتقي الفاصلة مع المعنى.
وقد تكون الفاصلة والمعنى غير منتهي. ليست الفواصل هي دائماً تامة المعنى فقد تكون متعلقة بما قبلها أوما بعدها. كما في قوله تعالى في سورة العلق (أرأيت الذي ينهى * عبداً إذا صلّى) وقال تعالى في سورة الرحمن (مدهامّتان) الآيات ليست وحدات مستقلة المعنى قد تكون تامة وقد تكون متعلقة بما قبلها أو بعدها.
في سورة طه الآية (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴿٧٠﴾ ) وفي سورة الشعراء الآية (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴿٤٨﴾ ) لماذا التقديم والتأخير وهل هو للفاصلة القرآنية؟