تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ١٠٤
الإسلام، بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات والحجج البيّنات، وهل ينتظر هؤلاء المبتعدون عن شرع اللّه، الخارجون عن أمر اللّه إلا أن يأتيهم عذاب اللّه، وتأتيهم الملائكة بما قدّر اللّه وأراده لهم.
ثم قرّع اللّه ووبّخ بني إسرائيل على تركهم الآيات التي جاءت بها الرّسل الكرام السابقون، وبخاصة موسى وعيسى، ووبّخهم أيضا على عدم الإيمان بشريعة الإسلام، مع إقامة البراهين والمعجزات الدّالة على صدق النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم، فكل من يغيّر نعمة اللّه التي توصّل بها إلى الهداية والخير، فيستعملها في الكفر والضلال والعصيان، فليستعدّ لعقاب اللّه الشديد الصارم.
وأرشدت آيات القرآن إلى أن سبب عدم اتباع أحكام الدين هو الحرص على الدنيا، ومحبّتها، وتحسينها في أعين الكفار، والافتتان بها، والاستهزاء بالمؤمنين والسخرية منهم، مع أن للمؤمنين الدرجة العالية يوم القيامة، وهم فوق الكفار في الدرجة والقدر، إذ هم في أعلى عليّين، والكفار في أسفل السّافلين، ونبّه القرآن الكريم إلى أن الرزق ليس على قدر الإيمان والكفر، وإنما يرزق اللّه من يشاء، ولو كان كافرا عاصيا، ويقتّر الرزق على من يشاء، ولو كان مؤمنا طائعا لأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة. قال اللّه تعالى :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٩ الى ٢١٢]
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢)
«١» «٢» «٣» [البقرة : ٢/ ٢٠٩- ٢١٢].
(٢) مظلات من السحاب الرقيق.
(٣) بلا نهاية ولا عد لما يعطيه.