تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ١٨٦
اللطف لهم والميل إليهم إلا بمقدار ما تقتضيه المصلحة العامة العليا، ولا يناصر الأعداء، أو يعمل ضد مصلحة أمته المؤمنة.
وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم في آيات كثيرة، وهدد المخالفين المتواطئين على مصلحة الأمة ومصيرها، فقال اللّه تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٨]
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)
«
١» «٢» [آل عمران : ٣/ ٢٨]. فلا تجوز موالاة الأعداء ومناصرتهم فهذا أمر ينفّر منه الشرع ولا يقره الدين في أي حال، إلا في حال الخوف منهم واتقاء أمر يجب اتقاؤه كالقتل وقطع الأعضاء والضرب بالسوط والسجن والتهديد والوعيد وسائر أنواع التعذيب، . وذلك إذا كان المرء في دار الأعداء، فإذا داراهم الإنسان أحيانا باللسان فقط وتحاشى أذاهم، فذلك أمر جائز شرعا، ويكون المؤمن في هذه الحال مكرها، واللّه تعالى يقول : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. [النحل : ١٦/ ١٠٦].
وسبب نزول آية النهي عن موالاة الأعداء : هو ما قاله الكلبي : نزلت هذه الآية في المنافقين عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه، كانوا يتولون اليهود والمشركين، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وهناك سبب آخر ذكره ابن عباس، فقال : نزلت الآية في عبادة بن الصامت الأنصاري، وكان بدريا نقيبا «٣»، وكان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي اللّه، إن معي خمس مائة رجل من اليهود، وقد رأيت
(٢) يخوفكم اللّه.
(٣) أي حضر موقعة بدر الكبرى، وحضر بيعة العقبة وكان أحد النقباء (العرفاء) الاثني عشر الذين اختارهم النبي عرفاء على قومهم.