تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ١٩
و أما موقف الكفار الجاحدين من أمثال القرآن، فهم في حيرة من أمرهم، فيتعجبون ويقولون : ماذا يريد اللّه بهذا المثل؟ ككل متخبّط لا يدري ماذا يفعل. قال ابن عباس : لما ضرب اللّه سبحانه هذين المثلين للمنافقين، في قوله تعالى : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة : ٢/ ١٧] وقوله : أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ «١» قالوا :
اللّه أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال، فأنزل اللّه هذه الآية : إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا وقال الحسن وقتادة : لما ذكر اللّه الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين المثل، ضحكت اليهود، وقالوا : ما يشبه هذا كلام اللّه، فأنزل اللّه هذه الآية :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
[البقرة : ٢/ ٢٦- ٢٧].
فالتمثيل بالبعوضة ونحوها ضلّ به كثير من الناس، واهتدى به كثير من الناس، ولا يضلّ به إلا الخارجون عن طاعة اللّه، الذين ينقضون ما عاهدوا اللّه عليه من الإيمان بمحمد والتصديق به، وهمّ هؤلاء الضّالّين الإفساد بين الناس، وإثارة الفتن والشكوك، وقلب الحقائق، وتصديع جبهة الأمة الداخلية، والتآمر مع الأعداء، إذ لا مبدأ عندهم يردعهم عن موالاة الأعداء، فخسروا الدنيا بافتضاحهم والآخرة بغضب اللّه عليهم، وذلك هو الخسران المبين.