تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢٠٥
حين فارقتم دينكم (أي الدين الوثني) الذي كنتم عليه، فنزلت الآية في ذلك. وروي أيضا : كان بنو إسرائيل يعتقدون استحلال أموال العرب لكونهم أهل أوثان، فلما جاء الإسلام، وأسلم من أسلم من العرب، بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد، فنزلت الآية حامية من ذلك.
ثم رد اللّه تعالى عليهم بقوله : بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي لا صحة لما قالوا ولا حجة لهم في استحلال أموال غيرهم، وعليهم صيانة الحقوق والوفاء بالذمم والعهود، فمن أوفى بالعهد واتقى عقوبة اللّه في نقضه، فإنه محبوب عند اللّه.
ثم ذكر اللّه سبحانه وعيده وتهديده لمن فعل هذه الأفاعيل، فجحد الحقوق، ونقض المواثيق، وحلف الأيمان الكاذبة، وهؤلاء هم أهل الغدر والخيانة، وجزاؤهم أنه لا نصيب لهم في الآخرة أصلا، ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة كلام رحمة، غضبا عليهم، ولا ينظر إليهم نظرة عطف ورحمة، ولا يزكيهم بالثناء عليهم أصلا ولهم عذاب أليم،
قال عبد اللّه بن مسعود : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما رواه أصحاب الكتب الستة- :«من حلف على يمين، وهو فيها فاجر «١» ليقطع بها مال امرئ مسلم، لقي اللّه وهو عليه غضبان». فقال الأشعث بن قيس : فيّ واللّه نزلت الآية، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدّمته إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال : لك بينة؟ قلت : لا، فقال لليهودي : أتحلف؟ قلت : إذن يحلف، فيذهب بمالي، فأنزل اللّه عز وجل إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية.

(١) أي كاذب.


الصفحة التالية
Icon