تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢٠٩
فمن تولى بعد هذا الميثاق المأخوذ قديما، ولم يؤمن بالنبي المبعوث في آخر الزمان، المصدق لمن تقدمه، ولم ينصره، فأولئك هم الفاسقون الخارجون من ميثاق اللّه، الناقضون عهده.
ثم أنكر القرآن على أولئك الذين يطلبون غير دين اللّه الذي هو الإسلام، ولله استسلم جميع من في السماوات والأرض، وخضعوا له وانقادوا لتصرفه بالتكوين والإيجاد، سواء طوعا واختيارا، أم إكراها وجبرا، ثم يكون المرجع والمآب إلى اللّه تعالى، قال سبحانه :
[سورة آل عمران (٣) : آية ٨٣]
أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)
«١» [آل عمران : ٣/ ٨٣].
وسبب نزول هذه الآية هو ما
قال ابن عباس : اختصم أهل الكتابين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما اختلفوا فيه بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«كلا الفريقين بري ء من دين إبراهيم» فغضبوا وقالوا : واللّه ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل اللّه تعالى : أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ..
أي يطلبون أو يرغبون.
يفهم من الآية ميثاق النبيين أن دين اللّه واحد، وإن تعدد الأنبياء، فرسالات جميع الأنبياء تلتقي في جذع واحد، وهو الدعوة إلى توحيد اللّه جل جلاله، وتحقيق العبودية لله تعالى، والحث على التمسك بمكارم الأخلاق، والتزام الفضائل التي لا بد منها لصلاح الفرد والجماعة.
وإذا كانت رسالات الأنبياء واحدة، فما على البشرية ولا سيما المؤمنون بالكتب الإلهية إلا أن يتحدوا ويتضامنوا تحت لواء واحد، وينبذوا الفرقة والخلاف والتنازع على أي شي ء في الدين ومصالح الدنيا.