تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢١١
و قد أنكر اللّه تعالى على من يبتغي دينا غير الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء، وهو الدين الذي ارتضاه لعباده، ومن يطلب غيره دينا، فلن يقبل منه قطعا، وهو في الآخرة من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم ولم يزكّوها بالإسلام الشامل، قال اللّه تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : آية ٨٥]
وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥)
«١» [آل عمران : ٣/ ٨٥].
ثم ذكر اللّه تعالى جزاء الكفر بعد الإيمان برسالات الأنبياء فقال تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٦ الى ٨٩]
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)
«٢» [آل عمران : ٣/ ٨٦- ٨٩].
قال ابن عباس ومجاهد فيما ذكره ابن جرير وغيره : نزلت هذه الآيات في الحارث بن سويد الأنصاري، كان مسلما ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هل لي من توبة؟ فنزلت الآيات السابقة التي مطلعها : كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً إلى قوله : إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت عليه قال : واللّه ما كذبني قومي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا كذب رسول اللّه على اللّه، واللّه عز وجل أصدق الثلاثة، فرجع ثانيا إلى الإسلام، فقبل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتركه.
وتنطبق الآية أيضا على أهل الكتاب المعاصرين للنبي، لما رأوا نعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم، وأقروا بذلك، وشهدوا أنه حق، وكانوا يستفتحون ويستنصرون به على المشركين، فلما بعث هذا النبي من غيرهم، حسدوا العرب وأنكروه، وكفروا به بعد إيمان.
(٢) يؤخرون عن العذاب لحظة. [.....]