تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢١٦
و في هذا دليل ظاهر على صحة نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنه يعلم ما في التوراة، وأنها مؤيدة لما في القرآن، وأن النبي أولى بإبراهيم وملته، لا تختلف عن ملته، فكل من إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام مائل عن الباطل إلى الحق، وما كان حلالا عند إبراهيم فهو حلال عند المسلمين.
واستمر تحريم لحوم الإبل وألبانها عند اليهود استنانا بما فعله يعقوب نفسه، ثم حرم اللّه عليهم في التوراة بعض الطيبات عقوبة لهم على أفعالهم، قال اللّه تعالى :
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) [النساء : ٤/ ١٦٠]. وقال سبحانه : وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) [الأنعام : ٦/ ١٤٦].
إن إباحة الطعام وتحريمه في البيان الإلهي يقوم على مبدأ واحد لا يتغير، فما كان طيبا نافعا غير ضار فهو الحلال، وما كان خبيثا ضارا بصحة الإنسان، فهو الحرام، ومن هنا لا يوجد اختلاف بين منهج الإسلام وبين منهج أي دين آخر في التحليل والتحريم، وهذا سبب آخر يدعو البشرية إلى التوافق والتقارب والتآخي والتعاون، والبعد عن موجبات الفرقة والخصام والنزاع، وليس لأمة القرآن من باب أولى إلا أن تتحد مشاعر أبنائها، وتتعاطف مع بعضها، وتترك كل ما يصدع وحدتها ويسي ء إلى كرامتها وعزتها.
مكانة البيت الحرام
كان من الطبيعي بعد بعثة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشتد الحوار بين النبي وبين أهل الكتاب، فإنهم أتباع دين سابق، ولهم أعرافهم وتقاليدهم، فكانوا يثيرون الشبهات مثل شبهة تحريم الإبل وألبانها، ومثل المفاضلة بين بيت المقدس والبيت الحرام.