تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢٢
الحياة البشرية. وقد جرى حوار صوّره القرآن الكريم بين اللّه تعالى والملائكة لإظهار دور آدم وذريته في الأرض، وجعلهم خلفاء فيها، يخلف بعضهم بعضا. قال اللّه تعالى واصفا ذلك :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
«١» «٢» «٣» «٤» [البقرة : ٢/ ٣٠- ٣٤].
اذكر أيها النّبي لقومك قصة خلق أبيهم آدم، حين قال اللّه للملائكة : إني متخذ في الأرض خليفة، يقوم بعمارتها وسكناها، وينفذ أحكامي فيها بين الناس، فتساءل الملائكة مستعلمين : كيف تستخلف هذا الخليفة، وفي ذرّيته من يفسد في الأرض بالمعاصي، ويريق الدماء عدوانا وبغيا لأن أفعالهم عن اختيار وإرادة، وقد خلقوا من طين، والمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب. وقد عرفوا ذلك لأنهم هم المعصومون، وكل من عداهم ليسوا على صفتهم، أو قاسوا ذلك الخلق وهم الإنس على الجن الذين سكنوا الأرض، فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة.
ونحن الملائكة أولى وأحق بالاستخلاف، لأن أعمالنا مقصورة على تسبيحك وتقديسك، وطاعتك وتمجيدك، والثناء عليك والحمد لك. فأجابهم اللّه تعالى : إني

(١) يريقها عدوانا.
(٢) ننزهك عن كل ما لا يليق بك مع الثناء عليك والحمد.
(٣) نمجدك ونعظمك.
(٤) تقديسا وتنزيها لك عن الاعتراض عليك.


الصفحة التالية
Icon