تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢٢٠
ثم حذّر اللّه المؤمنين من مؤامرات كيد أهل الكتاب، ومحاولتهم إيقاع العداوة والبغضاء بينهم، وبذر بذور التفرقة في صفوفهم، وردهم كافرين بالله والدين والخلق : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة : ٢/ ١٠٩]. كيف تكفرون بالله أيها المؤمنون، وكيف تطيعون غيركم فيما يشيرون به ويقولون، والحال أنكم تتلى عليكم آيات اللّه التي فيها الهداية والخير والمحبة والوئام وبيان أصول الإيمان، وبينكم رسول اللّه رسول المحبة والخير والألفة والرشاد، فكيف يليق بكم أن تتبعوا أهواء قوم آخرين لا يريدون الخير لكم، ومن يعتصم بالله وبكتابه ورسوله، فقد تحققت هدايته، لا يضل أبدا، وكان على الطريق المستقيم.
قال اللّه تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٠ الى ١٠١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)
«١» [آل عمران : ٣/ ١٠٠- ١٠١].
وسبب نزول هاتين الآيتين :
أن شاس بن قيس اليهودي مرّ بمجلس فيه نفر من الأوس والخزرج يتحدثون، فجلس معهم وغاظه اتحادهم وتآلفهم بعد أن كانوا متفرقين مختلفين في الجاهلية، فقال في نفسه : مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، فأرسل شابا من اليهود كان معه، وأمره أن يذكّرهم بيوم بعاث «٢»، وما قيل فيه من الأشعار، فتنازع القوم وتفاخروا واحتكموا إلى السيوف والسلاح. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فخرج إليهم ومعه المهاجرون، وقال : يا معشر المسلمين، اللّه اللّه، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ ووعظهم، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان،
(٢) وهو اليوم الذي اقتتلت فيه الأوس والخزرج في الجاهلية، وكان الظفر فيه للأوس.