تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢٥٢
اللّه وحده، وأن الاستشهاد في سبيل اللّه طريق لغفران اللّه والتعرض لرحمته، فقال سبحانه :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)
«١» «٢» [آل عمران : ٣/ ١٥٦- ١٥٨].
أبطل اللّه في هذه الآيات ما يوسوس به الشيطان من أن السفر أو الجهاد عرضة للقتل أو الموت، فيا أيها المؤمنون بالله ورسوله، لا تكونوا كأولئك المنافقين الكفار الذين لا يهتدون إلى صواب الرأي وسلامة الاعتقاد، فهم يقولون في شأن إخوانهم في الدين، الذين يسافرون للتجارة، أو يجاهدون في سبيل اللّه، فيموتوا أو يقتلوا :
لو كانوا عندنا مقيمين، لم يبرحوا مكانهم، ما ماتوا وما قتلوا.
إن هذا المعتقد خطأ واضح، فليست المنايا ترسل بلا حساب، وأن الهلاك بالسفر أو الحرب، والمنافق أو الجبان هو الذي يعتقد أنه لو قعد في بيته لم يمت، وحينئذ يتحسر أو يتلهف لو سافر أو جاهد، أما المؤمن الشجاع فهو الذي يتيقن أن كل موت أو قتل بأجل سابق، فيسلم الأمر لله، ويكون التسليم لله تعالى بردا وسلاما على قلبه، قال اللّه تعالى : وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل عمران : ٣/ ١٤٥].
احذروا أيها المؤمنون أن تكونوا مثل الكفار والمنافقين، وثقوا بالله واعتقدوا حق الاعتقاد أن اللّه هو الذي يحيى ويميت، واللّه بما تعملون بصير، فلا تخفى عليه

(١) سافروا.
(٢) أي غزاة مقاتلين.


الصفحة التالية
Icon