تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٢٩٨
و قبول التوبة والمغفرة أوجبه اللّه على نفسه تفضلا ورحمة وبيانا لصدق إنجاز الوعد، ولسابق وعد اللّه الكريم في قوله سبحانه : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام :
٦/ ٥٤]. واللّه الذي أوجب قبول التوبة على نفسه عليم بخلقه، لأن النفس الإنسانية قد تشذ ويغويها الشيطان، فتقع في المعصية، فلو لا باب التوبة ليئس الناس وضاقت بهم الدنيا، وظلوا على حالهم.
وقال قتادة : اجتمع أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على أن كل معصية، فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا وخطأ.
وأحسن أوقات التوبة : أن يبادر الإنسان المخطئ إلى الإقرار بها من قريب، أي بعد وقوع الخطيئة مباشرة وبسرعة، حتى لا يفوت الأوان، وتتراكم السيئات، أي المعاصي. ويظل باب التوبة مفتوحا إلى ما قبيل مجي ء وقت الموت أو الاحتضار، فمدة الحياة كلها وقت قريب، لما
رواه أحمد والترمذي عن بشير بن كعب والحسن أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن اللّه تعالى يقبل توبة العبد، ما لم يغرغر «١» ويغلب على عقله».
وذلك لأن الرجاء فيه باق، ويحتاج الأمر إلى وقت يصح منه الندم والعزم على ترك الفعل، حتى يظهر دور الإنسان الاختياري والإرادة البشرية، فإذا غلب الإنسان على عقله، تعذرت التوبة لعدم توافر الندم والعزم على الترك. واللّه عليم بمن يتوب، وييسره هو للتوبة، حكيم فيما ينفذه من الأمر والقبول، وفي تأخير من يؤخّر عن التوبة حتى يهلك ويموت.
وأما توبة اليأس فغير مقبولة، مثل أولئك الذين يواظبون على اقتراف المعاصي، ويستمرون في غيهم وضلالهم حتى إذا أدركهم الموت وساعته، تابوا عند العجز عن

(١) أي ما لم تصل الروح إلى الحلقوم والغرغرة.


الصفحة التالية
Icon