تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٠
ذكر اللّه تعالى بعض قبائح اليهود، ومنها أنهم قالوا لموسى : لا يمكننا أن نستمرّ على طعام واحد، وهو المنّ والسّلوى، وطلبوا أطعمة أخرى من الخضروات والبقول كالحنطة والعدس، والبصل والقثاء، ومن قبائحهم كفرهم بآيات اللّه، وقتلهم الأنبياء بغير حق، كزكريا ويحيى وغيرهما، فجعل اللّه الذّلة والمسكنة محيطة بهم كما تظلل الخيمة من فيها، ولا يعدّ وجودهم في فلسطين متناقضا مع إذلال اللّه لهم لأنه وجود عنصري متعصّب قائم على الحقد والبغضاء والكراهية، وعلى الاغتصاب والظلم والشّر والتّآمر مع قوى البغي والعدوان، وزوال كل ذلك سريع بإذن اللّه.
قال اللّه تعالى :
[سورة البقرة (٢) : آية ٦١]
وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)
«١» «٢» «٣» [البقرة : ٢/ ٦١].
وهدّد اللّه بني إسرائيل برفع جبل الطور فوقهم كأنه ظلّة تخويفا وإرهابا، حينما لم يؤمنوا بالتوراة ورفضوا العمل بها، فقبلوا ذلك إلى حين، ثم أعرضوا بعد ذلك عن التوراة ونبذوها وراء ظهورهم. وكانوا يعظّمون يوم السبت، فلا يعملون أي عمل فيه، فاحتالوا على ذلك بحيلة مفضوحة وهي بناء حواجز وأحواض تمنع ردّ السمك إلى الماء في حال الجزر، بعد أن كان السمك يأتي كثيرا يوم السبت قرب الساحل في أثناء المدّ البحري، وكان لا يأتيهم السمك في غير يوم السبت، فارتكبوا خطيئة الصيد يوم السبت بالحيلة المذكورة، فحكم اللّه عليهم أن يكونوا كالقردة مبعدين عن رحمة اللّه والناس لأنهم لم يحترموا العهد ولم يلتزموا الطاعة، وتخلوا عن شرف
(٢) أي المذلة والفقر والحاجة.
(٣) رجعوا متلبسين به.