تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٢٩
نور الإيمان من الوصول إلى القلب، وهو منتهى ما تهبط إليه عقول البشر، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تهدم كيان الأفراد والجماعات، ولا غرابة في ذلك فالمشرك يظن أن في الصنم أو البشر مثله تأثيرا في الكون والحياة. أما التوحيد والإيمان الخالص لله عز وجل من كل شوائب الشرك، فيسمو بالنفس إلى عبادة الرب، والاعتماد عليه وحده، والتوكل عليه والإخلاص له، وفي هذا نور القلب، وصفاء الروح، ونور البصيرة، والعزة الكاملة، لذا كانت المعاصي كلها بعد الإيمان قابلة للمغفرة وقبول التوبة، لأن نور الإيمان يسترها، غير أن المغفرة مرتبطة بمشيئة اللّه، وهي للعباد التائبين الذين يعملون الصالحات التي أمر اللّه بها، وانتهوا عما نهى اللّه عنه، لقوله تعالى : إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ [هود : ١١/ ١١٤].
والناس أمام السيئات أربعة أصناف :
١- كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بالإجماع.
٢- ومؤمن محسن لم يذنب قط، ومات على ذلك، فهذا في الجنة بالإجماع.
٣- وتائب مات على توبته : وهذا لا حق بالمؤمن المحسن، ولكن بمشيئة اللّه.
٤- ومذنب مات قبل توبته، ومرد هذا ومصيره إلى اللّه تعالى، إن شاء عذبه وإن شاء سامحه، للآية السابقة : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. أي إن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم، فمن شاء اللّه المغفرة له غفر له، ومن شاء أن يعذبه عذبه، وكل ذلك بحكمة إلهية عالية، نترك الأمر في معرفتها لله رب العالمين.


الصفحة التالية
Icon