تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٥٣
و هذا التصميم من قائد الأمة ينعكس أثره الحماسي الطيب على الجيش، فيقدم ولا يحجم، ويتفانى ويضحي ويسجل أرفع البطولات، ولا ينهزم أو يتردد. وحينئذ يكون النصر الإلهي، كما جاء في الآية : عسى اللّه أن يرد عنك أيها النبي بأس (أي شدة وقوة) الذين كفروا وهم قريش، واللّه أشد بأسا أي قوة، وأشد تنكيلا أي تعذيبا ومعاقبة، وهو قادر عليهم في الدنيا والآخرة، لكفرهم وجرأتهم على الحق، وقد تحقق ذلك فعلا فقد كان النصر لنبي اللّه وصحبه حينما خرج في بدر الصغرى في السنة الثالثة بعد غزوة أحد، ومعه سبعون فقط، فلما سمع أبو سفيان قائد قريش بخروج النبي، رجع من الطريق، وعاد إلى مكة، وتحقق النصر للمؤمنين، وصرفه اللّه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
الشفاعة والتحية
يتكل الناس عادة بعضهم على بعض في كثير من الأمور، لا سيما في طلب الحوائج والوظائف أو في القيام بعمل من الأعمال أو التفكير في تحقيق مشروع من المشروعات، ويهملون في أغلب الأحوال طلب النصرة والعون من اللّه تعالى، واللّه سبحانه هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في كل شي ء، وتفويض جميع الأمور إليه بعد اتخاذ الأسباب العادية من جدّ واجتهاد، وأداء عمل، وقيام بفعل، أما إنجاز النتائج وتحقيق الغايات فمتروك للفاعل المؤثر في الحياة وهو اللّه عز وجل.
وفي الاتكال على البشر ونسيان جانب اللّه : صنوف من المذلة والهوان أحيانا، والتماس الحلول بالوساطة أو الشفاعة غير المشروعة أحيانا أخرى، ذلك أن الشفاعة أو التوسط في أمر ما نوعان : شفاعة حسنة وشفاعة سيئة، والشفاعة الحسنة : ما كانت فيما استحسنه الشرع ورضيه، ولا ضرر فيه لآخرين، والشفاعة السيئة : ما كرهه الشرع أو حرمه ونهى عنه، وكان فيه ضرر للناس.


الصفحة التالية
Icon