تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٣٦٤
فسلّم عليهم، فقالوا : ما سلّم علينا إلا ليتعوذ منا- أي يحتمي ويتحصن- فعمدوا إليه، فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ..
في رواية أخرى عند الثعلبي : أن أسامة بن زيد أو المقداد بن الأسود قتل رجلا من الأعداء بعد أن أعلن إسلامه، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«كيف لك بلا إله إلا اللّه غدا» وأنزل اللّه هذه الآية.
والمعنى : يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله إذا انطلقتم في الأرض للجهاد، فتمهلوا في الحكم على الأشخاص، أهم مسالمون أم محاربون، مؤمنون أم كافرون، ولا تتعجلوا بقتل أحد، ولا تقولوا لمن استسلم ولم يقاتلكم وأظهر أنه مسلم : إنك لست مؤمنا، فأنتم مأمورون بالعمل بالظاهر، واللّه أعلم بالسرائر.
وكأنكم باستعجال القتل تريدون الحصول على عرض الدنيا الفاني من المال أو الغنيمة، فعند اللّه أرزاق كثيرة ونعم وفيرة لا تحصى، وعنده خزائن السماوات والأرض، فلا يليق بكم أن تفعلوا فعلا جنائيا أو عدوانيا، وتتسرعوا في الحكم على ما في قلوب الناس، وتتهموهم بالمصانعة والمداراة والخوف من السيف، واذكروا تاريخكم في الماضي، آمنتم سرا، ثم أظهرتم الإسلام علنا، فصرتم في عداد المؤمنين، ومنّ اللّه عليكم بالأمان والاطمئنان، إن اللّه بما تعملون خبير بصير، يجازيكم على أعمالكم وأحوالكم كلها.
وكذلك الأمر في العلاقات الاجتماعية الداخلية يجب على المسلم التثبت في الحكم على الأقوال والأخبار، قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) [الحجرات : ٤٩/ ٦].
سبب نزول هذه الآية
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق


الصفحة التالية
Icon