تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٣١
و اللّه سبحانه أكمل لنا الدين، وهو الإسلام، بإحلال الحلال وتحريم الحرام وبيان الشرائع والأحكام، ورضي اللّه بالإسلام دينا للبشرية، وأتم علينا النّعمة بالنّصر على المشركين، وقد نزلت هذه البشارات الثلاث يوم عرفة.
ومن اضطرّ إلى تناول شي ء من المحرّمات المذكورة، فله أن يأكل منها إذا لم يوجد غيرها، وتعرّض لخطر الموت أو الهلاك جوعا بسبب المخمصة أي المجاعة، ولم يتجاوز قدر الضرورة، واللّه غفور له، رحيم بخلقه.
المطعومات الحلال وإباحة الزواج بالكتابيات
جعل اللّه الإسلام دينا سمحا سهلا غير معقّد ولا صعب، فأحلّ لنا كثيرا من الأشياء، ولم يحرّم علينا إلا القليل، فالأصل في الأشياء الإباحة، أحلّ اللّه الطّيبات النافعة غير المحرّمات العشر المتقدمة وغير المستخبثات، وأباح لنا ما تقتضيه الضرورة أو الحاجة في الاصطياد بالكلاب المعلّمة والطيور الجارحة المروّضة، وأقام جسورا من التلاقي وهمزة الوصل بين المسلمين وأهل الكتاب (اليهود والنّصارى) فأجاز لكل فريق تناول طعام الفريق الآخر، وأباح الزواج بالنّساء المؤمنات، والكتابيات الحرائر العفيفات بشرط دفع المهر.
قال اللّه تعالى :
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤ الى ٥]
يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)
«١» «٢» «٣»

(١) التي تجرح بأنيابها من السّباع، وبمخالبها من الطيور.
(٢) المكلب : معلّم الكلاب الصيد ومضريها، ويقال أيضا لمن يعلّم غير كلب.
(٣) هذا إشارة إلى الزمن والأوان، وهو إباحة ما تستطيبه النفس.


الصفحة التالية
Icon