تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٤٦
مبعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريمة ووهب بن يهودا : إنا ما قلنا لكم هذا، وما أنزل من كتاب من بعد موسى، ولا أرسل اللّه بشيرا ولا نذيرا بعده، فأنزل اللّه : يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا.. الآية.
لقد دعا جميع الرّسل والأنبياء ومنهم المسيح إلى توحيد اللّه وتمجيده، فلا يصح أن يوصف أحد من الرّسل بأنه هو اللّه، واللّه قادر على أن يهلك أي بشر، فلا مالك ولا رادّ لإرادة اللّه تعالى في المسيح ولا في غيره، ومن تنفذ فيه الإرادة الإلهية تقضي العقول بأنه ليس بإله، واللّه هو مالك السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات، والمتصرّف في كل شي ء، وجميع الموجودات ملكه وخلقه، واللّه صاحب القدرة التامة المطلقة على كل شي ء، فكيف يكون المملوك المخلوق إلها خالقا؟ إن هذا لكفر صريح.
وإذا ادّعى أهل الكتاب أنهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، سئلوا : فلم يعذّبكم اللّه بذنوبكم في الدنيا والآخرة؟! وأنتم قد أقررتم أنه يعذّبكم. والتعذيب على الذنوب ينافي أنهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، فأنتم بشر كسائر الناس، وأكرم الناس عند اللّه أتقاهم.
واللّه هو المالك المطلق والمتصرّف في السماوات والأرض وما بينهما، وصاحب الملك يفعل في ملكه ما يشاء، لا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، وإليه مصير العالم بالحشر والمعاد يوم القيامة، وجميع العباد عبيد له، قال اللّه تعالى : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) [مريم : ١٩/ ٩٣].
وسيعذّب اللّه الكافر والعاصي بحق، ويثيب الطائع المؤمن والصالح بفضل منه ورحمة. وتكرار جملة وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ للتأكيد وتقرير المعنى في الأذهان وهو أن المالك قادر على إهلاك المملوك.