تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٥٦
تأمر الآية الأولى المؤمنين بأوامر ثلاثة : وهي تقوى اللّه، وهي إذا قرنت بالطاعة تعني الكفّ عن المحارم وترك المنهيات، والأمر الثاني : طلب القربة إلى اللّه وهي ابتغاء الوسيلة، والوسيلة : القربة أي ما يتوصل به إلى تحصيل المقصود والنجاح، والأمر الثالث : الجهاد في سبيل إعلاء كلمة اللّه ودينه، وخصّ هنا الأمر بالجهاد لأمرين : أولهما- رفعة شأنه بين أعمال البر وأنه قاعدة الإسلام، والثاني- أنه الطريق إلى الجنة والعبادة التي هي بديل عن المحاربة أو قطع الطريق.
وأما الوسيلة المطلوبة للنّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم في دعائنا بعد الأذان بإيتاء الوسيلة والفضيلة، فمعناها درجة في الجنة، وأعلى منزلة في الجنة. والفضيلة : هي الشفاعة العظمى له في المقام المحمود بجميع الخلائق ليقدّم الناس إلى الحساب، تخلّصا من أهوال يوم القيامة.
ومعنى الآية : يا من آمنتم بالله ورسوله، اتّخذوا الوقاية لأنفسكم من عذاب اللّه، بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتقرّبوا إلى اللّه بالطاعة والعمل بما يرضيه، وجاهدوا أعداء الإسلام حتى يكون الدين كله لله، ومن أجل نصرة الحق والخير والحرية للبشرية.
ثم أخبر اللّه عما أعدّ لأعدائه الكفار من العذاب الشديد يوم القيامة، وأوضح أن الذين كفروا أو جحدوا بالله ربّا واحدا لا شريك له، وأنكروا آياته الدّالة على وجوده ووحدانيته وقدرته الشاملة، وكذبوا رسله، لو جاؤوا بمل ء الأرض ذهبا، ومثله أو ضعفه معه، ليفتدوا بهذا الفداء من عذاب اللّه، على كفرهم وعنادهم، ما تقبّل منهم ذلك، ولهم عذاب ثابت دائم مستمر لا خروج لهم منه، كما قال اللّه تعالى في آية أخرى : كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [الحج : ٢٢/ ٢٢].
نعود إلى قوله تعالى : وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ لنحقق معنى التّوسل، فقد استدلّ