تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٥٩
روى أحمد وغيره عن عبد اللّه بن عمرو : أن امرأة سرقت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقطعت يدها اليمنى، فقالت : هل لي من توبة يا رسول اللّه؟ فأنزل اللّه في سورة المائدة : فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
والمعنى : فيما فرض عليكم أو يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، فمن سرق من ذكر أو أنثى، فاقطعوا يا ولاة الأمور أيديهما أي من الرّسغ كما أوضحت السّنة النّبوية، جزاء لهما على سرقتهما وما كسبت أيديهما، ولانتهاك حرمة مال الآخرين، لأن السرقة قد تجرّ إلى الدفاع عن المال وإلى القتل، وتنكيلا وإهانة وتحقيرا لهما من اللّه لأن فعلهما خسيس ودني ء يستوجب الإذلال، والزجر عن العودة للسرقة، وإيقاع عبرة لغيرهما، واللّه قوي غالب في تنفيذ أوامره، حكيم في تدبيره وصنعه وتشريعه، لا يشرع إلا ما فيه الحكمة والمصلحة، واختيار الأنسب للجريمة.
أما من تاب من بعد ظلمه بالسرقة، وأناب إلى اللّه، ورجع عن السرقة، وردّ أموال الناس إليهم، وأصلح نفسه وزكّاها بعمل البر والتقوى، فإن اللّه يقبل توبته، فلا يعذّبه في الآخرة، وإن اللّه غفور لذنوب عباده التائبين، رحيم بهم إذا صلحوا.
ألم تعلم أيها الرسول وكل مؤمن أن اللّه هو المالك لجميع السماوات والأرض ومن فيهما، يتصرف في ذلك بالعدل والحكمة والعلم الواسع والفضل العظيم، ومن فضله ورحمته أنه يقبل التوبة عن عباده، ويرحم التائبين، ومن حكمته وعدله أنه وضع حدّا للسرقة لزجر اللصوص وردعهم، توفيرا للأمن والاستقرار، وتحقيقا لمصالح العباد، واللّه هو القادر على كل شي ء من التعذيب والرحمة.
ومن خلال التجربة والتطبيق تبين أن الحدود الشرعية هي المحققة لمصلحة الناس العامة والخاصة، فلا مانع من الجريمة أحكم وأعدل وأصلح من حدود اللّه المقررة في القرآن المجيد.