تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٦٢
الرّجم، فقال عبد اللّه بن سلام : ارفع يدك، فرفع يده، فإذا آية الرّجم، فحكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها بالرجم وأنفذه.
والآية تحذير عام وتذكير، وتثبيت وتقوية لنفس النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعناها : قد وعدناك أيها النّبي النصر والغلبة على هؤلاء المنافقين واليهود، فلا يحزنك ما يقع منهم خلال بقائهم، ولا يهمنك أمر الذين يسرعون بالوقوع في الكفر، فإنهم أحد فريقين : إما أنهم منافقون يظهرون الإيمان بألسنتهم، دون أن تؤمن قلوبهم، وإما أنهم يهود يبالغون في سماع الكذب من أحبارهم، الذين يلقون إليهم الأخبار الكاذبة في حقّ النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيما يتعلّق بأحكام دينهم، ويبالغون في سماع أقوام آخرين من اليهود هم يهود فدك لم يأتوا مجلسك يا محمد لشدة كراهيتك والحسد عليك، أو هم بمعنى كونهم جواسيس يتنصتون للكلام لينقلوه لقوم آخرين.
وهم أيضا يحرّفون كلام التوراة من بعد أن وضع اللّه مواضعه ببيان فروضه وإحلال حلاله وتحريم حرامه، يقولون لمن أرسلوهم للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم لسؤاله عن حكم الزانيين : إن أفتاكم بالتسخيم أو التحميم (تسويد الوجه) والجلد، فاقبلوا منه وارضوا به، وإن أفتاكم بالرّجم فاحذروا قبوله، ولا ترضوا به، ثم يقطع اللّه لنبيّه الرجاء منهم، قائلا له : لا تتبع نفسك أمرهم، فهم في مرصد الاختبار، والامتحان بالكفر والتعذيب في الآخرة، وقد اختاروا الضّلال، وسبق في علم اللّه ألا يطهّر قلوبهم من السّوء، وأن يكونوا مدنّسين بالكفر، فقرّر اللّه لهم الخزي في الدنيا، أي الذّل والمسكنة، وقرّر لهم العذاب في الآخرة بكفرهم.
ثم أكّد اللّه تعالى اتّصافهم بصفة دائمة أنهم سماعون للكذب، أكّالون للسّحت أي المال الحرام من أخذ الرّشوة وغيرها، فإن جاؤوك أيها النّبي وكل حاكم بعدك للاحتكام أو التّقاضي، فأنت مخيّر بين الحكم بينهم أو الإعراض عنهم، وإن


الصفحة التالية
Icon