تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٧
مصدر النّبوة والأدب مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلم
اليهود قوم مخادعون، يتلاعبون بالألفاظ، وينشرون الأذى على الناس كما تنشر الأفعى سمومها، ويحقدون على الآخرين، ولا سيما العرب، وكانوا يتوقعون أن يكون نبي آخر الزمان منهم، فلما بعث من العرب عادوه وآذوه. وقد حذّر القرآن الكريم المؤمنون من محاكاة ألفاظهم واتّباع أساليبهم، وهذا ما صرّحت به الآيات التالية :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)
«١» «٢» [البقرة : ٢/ ١٠٤- ١٠٥].
قال ابن عباس في رواية عطاء : وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعهم اليهود يقولونها للنّبي صلّى اللّه عليه وسلم أعجبهم ذلك، وكان قول (راعنا) في كلام اليهود سبّا قبيحا، فقالوا : إنا كنا نسبّ محمدا سرّا، فالآن أعلنوا السّبّ لمحمد، فإنه من كلامه، فكانوا يأتون نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيقولون : يا محمد راعنا، ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار، وهو سعد بن معاذ، وكان عارفا بلغة اليهود، وقال : يا أعداء اللّه، عليكم لعنة اللّه، والذي نفس محمد بيده، لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه، فقالوا : ألستم تقولونها؟ فأنزل اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا الآية.
كان اليهود يستعملون كلمة (راعنا) بقصد السّبّ ونسبة الجهل والحمق للمخاطب، وكانوا يقولون إذا ألقى عليهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلم شيئا من العلم : راعنا سمعك،

(١) كلمة سبّ وطعن من اليهود، من المراعاة، يراد بها الجهل والحمق.
(٢) انظر إلينا أو انتظرنا وتأنّ بنا.


الصفحة التالية
Icon