تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٩٣
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال : لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة : ٥/ ٨٧] في القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللحم على أنفسهم قالوا : يا رسول اللّه، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها، فأنزل اللّه تعالى ذكره : لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ.. الآية.
علّق الطبري على ذلك بقوله : فهذا يدلّ على ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا ما حرّموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها، فنزلت هذه الآية بسببهم.
والمعنى : لا مؤخذة بالأيمان التي تحلف بلا قصد، ولا يتعلّق بها حكم، وهي اليمين اللغو : وهي التي تسبق على لسان الحالف من غير قصد،
قالت عائشة : إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«هو كلام الرجل في بيته : لا واللّه، وبلى واللّه».
ولكن المؤاخذة باليمين المنعقدة : وهي التي يحدث الحلف فيها على أمر في المستقبل بتصميم وقصد أن يفعله أو لا يفعله. وتكون بالحلف فيها بالله أو بصفة من صفاته،
لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه الجماعة عن ابن عمر :«من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت».
ولا تنعقد اليمين بغير اللّه من المخلوقات كنبي أو ولي، بل إنه حرام.
ونوع المؤاخذة في اليمين المنعقدة : هو إيجاب الكفارة عند الحنث باليمين أي عدم البر ومخالفة مقتضى اليمين، وعلى الحانث الكفارة سواء كان عامدا أو ساهيا أو ناسيا أو مخطئا، أو نائما ومغمى عليه ومجنونا أو مكرها.
والكفارة على الموسر مخيّر فيها بين ثلاث خصال : إطعام عشرة مساكين مدّ طعام (قمح) أي ٦٧٥ غم من النوع المتوسط الغالب أكله على أهل البلد، ليس بالأجود الأعلى ولا بالأردإ الأدنى، وهو أكلة واحدة : خبز ولحم، وتقدير المدّ بالقيمة حوالي ٢٥ أو ٣٠ ل. س في عصرنا. هذه خصلة.