تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٤٩٦
ثم نزلت آية أشدّ في ذلك : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله تعالى :
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قالوا : انتهينا ربّنا، فقال الناس : يا رسول اللّه، ناس قتلوا في سبيل اللّه، وماتوا على فراشهم، وكانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله اللّه رجسا من عمل الشيطان، فأنزل اللّه : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا.. إلى آخر الآية.
وقال أبو ميسرة : نزلت هذه الآيات بسبب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فإنه ذكر للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عيوب الخمر، وما ينزل بالناس من أجلها، ودعا إلى اللّه في تحريمها، وقال : اللّهم بيّن لنا فيها- أي في الخمر- بيانا شافيا، فنزلت هذه الآيات فقال عمر : انتهينا انتهينا.
وقد مرّ تحريم الخمر للتّرويض وبالتدريج في مراحل أربع، وهذه الآيات في سورة المائدة تحرّم تحريما قاطعا الخمر وهو المتّخذ من ماء العنب النّي ء، وتشمل كل شراب مسكر خامر العقل وغطّاه، وتحرّم أيضا الميسر (القمار) والأنصاب وهي كما تقدم حجارة حول الكعبة كان العرب في الجاهلية يعظّمونها، ويذبحون القرابين عندها. وتحرّم أيضا الأزلام وهي كما تقدّم أعواد ثلاثة كالسهام، كتب على أحدها : لا، وعلى الآخر : نعم، والثالث :
غفل لا شي ء مكتوبا عليه، وقد دلّت الآيات على تحريم هذه الأشياء الأربعة من نواح أربع :
و هي أولا وصفت بكونها رجسا أي قذرا، حسّا ومعنى، عقلا وشرعا، ووصفت ثانيا بأنها من عمل الشيطان وذلك غاية القبح، وأمر اللّه ثالثا باجتنابها، والأمر بالاجتناب أشدّ تنفيرا من مجرد النّهي عنها أو القول بأنها حرام، فهو يفيد الحرمة وزيادة وهو التنفير ورابعا جعل اللّه اجتنابها سببا للفرح والفوز والنجاة في الآخرة.
ثم بيّن اللّه تعالى مضارّ الخمر والقمار المعنوية : الشخصية والاجتماعية، فهما سبب إيقاع الناس في العداوة والبغضاء، وسبب الصّدّ والإعراض عن ذكر اللّه وعن