تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٠
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٨]
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨)
[البقرة : ٢/ ١٠٨].
أي بل أيها اليهود المنكرون للنّسخ أتريدون أن تطلبوا من رسولكم كما طلب آباؤكم اليهود من موسى عليه السّلام؟ فقد طلبوا منه أن يريهم الله جهرة. ومن يترك الثقة في القرآن ويشكّ في أحكامه، ويطلب غيرها فقد ضلّ السّبيل السّوي.
ومن أمثلة النّسخ في الشريعة : أن الصلاة شرعت أولا ركعتين بالغداة (صباحا) وركعتين بالعشي (مساء) رأفة بالناس ورحمة بهم، لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، ولم يكونوا قد تذوقوا حلاوة الصلاة، ولا عرفوا لذّة المناجاة فيها، فلما اطمأنّت نفوسهم بالصلاة، زادها الله على النحو التالي المعروف على حسب ما اقتضته الحكمة الإلهية العالية.
وأول ما نسخ من القرآن : القبلة، قال الله تعالى : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فصلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه اللّه تعالى إلى البيت العتيق.
ومن أمثلة النّسخ : تحريم الخمر على مراحل أربع، فقد نفّر القرآن منها أولا بقوله تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النّحل : ١٦/ ٦٧] فوصف تناول العنب والتمر على سبيل التفكّه بالحسن، ولم يوصف الشراب المسكر بتلك الصفة. ثم وصف اللّه الخمر والميسر (القمار) بأن فيهما إثما كبيرا، وإن كان فيهما منافع مادّية تجارية ومكاسب رابحة، ثم منع اللّه السّكارى من الصلاة حال السّكر، ثم حرّم اللّه الخمر تحريما قاطعا دائما إلى يوم القيامة.
وكانت عقوبة الزّانيات الحبس في البيوت حتى الموت، وعقوبة الزّناة التعيير