تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٢٩
سبب نزول هذه الآيات : ما ذكره الثّقات من العلماء، منها :
إن مشركي مكة قالوا : يا محمد، واللّه، لا نؤمن لك، حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند اللّه، وأنك رسول اللّه، فنزلت آية : وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ.
وقال جماعة من المشركين كالنضر بن الحارث : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء : ١٧/ ٩٠].
روى ابن المنذر وغيره عن ابن إسحاق قال :«دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قومه إلى الإسلام، وكلمهم فأبلغ إليهم، فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب وآخرون : لو جعل معك يا محمد ملك يحدّث عنك الناس، ويرى معك» فأنزل اللّه في ذلك :
وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ.
تحدّثنا هذه الآيات أنه لو جاء محمد صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين بأشد وأشنع مما جاء به من الإخبار بعقوبات الأمم السابقة، لكذّبوا به، وفي هذا مبالغة تؤكد عنادهم وموقفهم المتعنّت، إنهم اقترحوا اقتراحين :
أولهما- أن ينزل اللّه عليهم كتابا مسطورا من السماء يخبرهم بصدق نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ويطالبهم بالإيمان به، قال عبد اللّه بن أبي أمية :«لا أومن لك حتى تصعد إلى السماء، ثم تنزل بكتاب فيه : من ربّ العزّة إلى عبد اللّه بن أبي أمية، يأمرني بتصديقك، وما أراني مع هذا كنت أصدّقك». ثم أسلم بعد ذلك عبد اللّه هذا، وقتل شهيدا في الطّائف. إن عبد اللّه وأمثاله من المشركين لو جاءهم كتاب إلهي مسجّل من اللّه، والتقطوه بأيديهم، لقالوا : هذا سحر واضح. وذلك يمثّل غاية التّعنّت والمكابرة، وهذا جواب اقتراحهم الأول.
والاقتراح الثاني- أن ينزل اللّه ملكا من السماء يرونه ويكون مؤيّدا لرسول اللّه