تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٣١
الوجود الدنيوي والأخروي، وأن رحلة الحياة الحاضرة لتنتهي بصاحبها إلى عالم الخلود الأبدي القائم على أمور يسيرة هي الإقرار بوجود اللّه ووحدانيته، والاعتقاد بقدرة اللّه التّامة على جمع الناس وحشرهم، والتّصديق بصحة الوحي إلى الرّسل والأنبياء الكرام وختمهم برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، قال اللّه تعالى :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢ الى ١٦]
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)
«١» «٢» «٣» «٤» [الأنعام : ٦/ ١٢- ١٦].
حاور اللّه تعالى من علياء سمائه المشركين آمرا نبيّه بهذا السؤال، وهو : من مالك جميع ما في السماوات وما في الأرض؟ ولمن هذا الكون والوجود وما فيه؟ والمقصود من السؤال التّبكيت والتوبيخ، لأن المشركين في الجاهلية كانوا يعتقدون بأن اللّه هو الخالق، كما حكى اللّه تعالى عنهم : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) [لقمان : ٣١/ ٢٥].
أمر اللّه عزّ وجلّ محمدا عليه الصّلاة والسّلام بهذه الحجة الساطعة، والبرهان القطعي الذي لا يستطيع أحد نقضه، فيا أيها الكافرون بربّهم : لمن ما في السماوات والأرض، ثم سبقهم في الجواب، فقال : اللّه، إذ لا يستطيع أحد إنكار ذلك، ومن صفات اللّه : صفة الرحمة بجميع عباده، فإنه تعالى أوجب على ذاته الرحمة بخلفه، ومن

(١) قضى وأوجب تفضيلا.
(٢) مبدع.
(٣) يرزق عباده.
(٤) خضع لله وانقاد له.


الصفحة التالية
Icon