تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٣٦
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٠ الى ٢٤]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)
«١» «٢» «٣» [الأنعام : ٦/ ٢٠- ٢٤].
ذكر المؤرّخون أن كفار قريش سألوا أهل الكتاب (اليهود والنّصارى) عن رأيهم في النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفي دينه، فقالوا : ليس في التوراة والإنجيل شي ء يدلّ على نبوّته. ولكنهم في هذا لم يكونوا صادقين لأنهم يعرفونه بالنّبوة والرسالة كما يعرفون أبناءهم، لما
روي أنه لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة قال عمر لعبد اللّه بن سلام : أنزل اللّه على نبيّه هذه الآية، فكيف هذه المعرفة؟ فقال : يا عمر، لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني، ولأنا أشدّ معرفة بمحمد مني بابني لأني لا أدري ما صنع النساء، وأشهد أنه حقّ من اللّه تعالى.
ومعنى الآيات : إن الذين آتيناهم الكتاب قبل القرآن وهم اليهود والنصارى يعرفون أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم نبي، وأنه خاتم الرّسل، كما يعرفون أبناءهم، بما عندهم من الأخبار والأنباء عن الرّسل المتقدّمين والأنبياء السابقين، فإن صفته في كتبهم واضحة، ودلائل نبوّته التي ظهرت معه مؤيدة للأوصاف السابقة، ولكنهم أنكروا، كما أنكر المشركون.
وسبب إنكارهم ناشئ من أنهم خسروا (أي غبنوا) أنفسهم، حين لم يؤمنوا برسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا بالقرآن، لعنادهم وحسدهم، لا لجهلهم به. وليس أحد أظلم
(٢) غاب وزال عنهم.
(٣) يكذبون.