تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٤١
و المعنى : ولو ترى يا محمد وكل سامع هؤلاء المشركين يوم القيامة، حين عرضهم على النار، لرأيت عجبا وهولا أو مشقّات، وذلك حين تعرضهم الملائكة على النار، فيدخلونها ويعاينون شدّتها، فيندمون ويتمنّون العودة إلى الدنيا قائلين : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فردّ اللّه عليهم بأن حالهم لم تتغير، إنما ظهر حقيقة ما كانوا يخفون من قبل في الدنيا من الكفر والعناد والتكذيب بالبعث والمعاد والجزاء، وهم ليسوا صادقين في تمنّي العودة للدّنيا، فإنهم لو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما نهاهم اللّه عنه من الكفر والعناد والعصيان، ولو ردّوا إلى الدنيا لأنكروا مرة أخرى البعث والحساب والجزاء والنار الموقدة، وإنهم لكاذبون في جميع الأحوال، سواء حال وجودهم في الدنيا قبل موتهم أو في وعدهم بالإيمان والاستقامة.
ثم أخبر اللّه تعالى عن عقيدة المشركين الكفار المتأصّلة فيهم وهي تكذيبهم بالحشر والعودة إلى اللّه وإنكار الآخرة، فإنهم يقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا فقط، وليست لنا حياة أخروية أبدا، وما نحن بمبعوثين، ولا ثواب ولا عقاب في الآخرة، بل لا آخرة ولا معاد، وهؤلاء هم المادّيون الدّهريون الملحدون الذين لا يؤمنون بالغيب.
ثم ذكر اللّه تعالى حالا ثانية للكفار أمام اللّه حين وقوفهم للحساب، فقال سبحانه :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢)
«١» «٢» «٣» [الأنعام : ٦/ ٣٠- ٣٢].
(٢) فجأة.
(٣) ذنوبهم.