تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٤٣
حزن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم على تكذيب قومه
لقد كان الرّسل والأنبياء ومنهم خاتم النّبيّين على درجة كبيرة من الإخلاص في دعوتهم لتوحيد ربّهم وإخلاص العبادة له، وكانوا في حرج عظيم أمام اللّه بسبب إعراض أقوامهم عن دعوتهم وتكذيبهم إياهم، ولكنهم صبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر اللّه، ولا مناص من الصبر على الأذى واحتمال المكروه والرّضا بالواقع لأن الهداية بيد اللّه وحده، فلا يصح لرسول الجهل بهذا، قال اللّه تعالى مبيّنا ذلك :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)
«١» «٢» «٣» [الأنعام : ٦/ ٣٣- ٣٥].
نزلت آية قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ فيما
روى الترمذي والحاكم عن علي رضي اللّه عنه : أن أبا جهل قال للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم : إنا لا نكذّبك، ولكن نكذّب بما جئت به، فأنزل اللّه :
فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ.
ليس هناك أعظم ولا أروع ولا أقدس من هذه المواساة أو ما يسمّونه المشاركة الوجدانية، يواسي اللّه تعالى من علياء سمائه نبيّه على ما ألّم به من حزن شديد وألم عميق بسبب تكذيب قومه له ومعارضتهم دعوته، وصدّهم الناس عنها، فالله يعلم بذلك تمام العلم، كما في آية أخرى : فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) [الكهف : ١٨/ ٦].

(١) أنظمته بنصر رسله.
(٢) شقّ.
(٣) سربا ومنفذا.


الصفحة التالية
Icon