تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٥٥
بالمشركين : هو ما يلقون منهم من الأذى، وابتلاء المشركين بالمؤمنين : هو أن يرى أشراف المشركين مدى تعظيم اللّه لقوم لا سمعة ولا مكانة لهم، وكانت عاقبة هذا الاختبار : أن قال المشركون : أهؤلاء الضعفاء الذين منّ اللّه عليهم من بيننا بالخير والتقدم؟ فردّ اللّه عليهم : بأن اللّه أعلم بمن يؤمن ويشكر اللّه، فيوفّقه للإيمان، وهو سبحانه أعلم بمن يصمّم على الكفر، فيخذله ويحجب عنه اللطف والتوفيق.
وقد نزلت آية النّهي عن طرد الضعفاء من مجلس النّبي في ستة أنفار كسعد بن أبي وقاص وعبد اللّه بن مسعود، طالب المشركون بطردهم من مجلس النّبي، قائلين :
اطردهم، فإنا نستحي أن نكون تبعا لك كهؤلاء، فنهى اللّه نبيّه عن ذلك، إعلاء لدرجة الإيمان، وإدناء لمرتبة الشّرك أو الكفر.
مظاهر الرّحمة الإلهيّة
لا يستغني الإنسان عن رحمة اللّه طرفة عين، فإن وجوده وبقاءه، وسعادته وشقاءه، وأفراحه وأحزانه وغير ذلك مرهون برحمة اللّه وفضله، وإحسانه ولطفه، فالله لطيف رحيم بعباده، ويزيد اللطف بعبّاده، يمنح لهم الخير، ويحميهم من الشّر ما داموا على جادة الاستقامة قائمين، وبهدي اللّه عاملين، بل إنه يرحم العصاة والكافرين به، لأن رحمته سبقت غضبه، ولولا الرّحمة الإلهية ما بقي في هذا العالم كافر ولا مشرك. قال اللّه تعالى :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)
«١» [الأنعام : ٦/ ٥٤- ٥٥].