تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٦٢
أو عملتم أيها الناس من الأعمال بالنهار، في حال السكون وحال الحركة، ثم بعد التّوفّي بالنّوم والعلم بالأعمال في النهار، يبعثكم في النهار، أي يرسلكم ويوقظكم فيه، وهذا التّقلّب في الليل والنّهار لأجل أن يقضى وينفذ الأجل المسمّى الذي علمه اللّه تعالى لكل واحد منكم، فإن الآجال والأعمار محدودة ومقدرة، مكتوبة سابقا.
ثم إلى اللّه مرجعكم يوم القيامة بعد تمام الآجال، ثم يخبركم بأعمالكم التي قمتم بها في الدنيا، ويجازيكم عليها، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
واللّه هو الذي يقهر كل شي ء، ويخضع لعظمته وجلاله وكبريائه كل شي ء، وهو القادر على بعث الأجساد والأرواح لأن من قدر على بعث من توفّي بالنوم قادر على بعث من توفّي بالموت، وهو المتصرّف بعباده، يفعل ما يشاء، إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة. ويرسل اللّه الملائكة الكرام الموكلين بكتب الأعمال، في الليل والنهار، يحفظون بدن الإنسان، ويحصون أعماله، ولا يفرطون بشي ء منها. وكتابة الملائكة الحفظة أعمال الإنسان من أجل الإتيان بدليل مادّي محسوس، لإقامة الحجة على الإنسان.
فإذا حان أجل الإنسان، قبضت روحه الرّسل الموكلون بذلك من الملائكة، حال كونهم غير مقصّرين في حفظ أرواح الموتى، بل يحفظونها حيث شاء اللّه تعالى، ثم يرد هؤلاء الذين تتوفاهم الرّسل إلى حكم اللّه وجزائه، واللّه هو مولى الناس ومالكهم الذي يلي أمورهم، له وحده سبحانه الحكم يوم القيامة، لا حكم فيه لغيره، ولا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، وهو أسرع الحاسبين، يحاسب الكل في أسرع وقت وأقصره، ولا يشغله حساب عن حساب.