تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٦٤
قل أيها النّبي : اللّه تعالى هو الذي ينجيكم مرارا من هذه الأهوال، ومن كل كرب أي غم وشدة، ثم مع ذلك أنتم بعدئذ تشركون بالله غيره، فتخلفون وعدكم بالإيمان، وتخونون العهد مع اللّه سبحانه، وتحنثون بالقسم الذي حلفتموه. وهذا مع الأسف الشديد طبع أغلب الناس، يلجأ الإنسان عادة إلى اللّه في الشّدة والمكروه، ثم بعد النّجاة ينسى العهد، ويعود إلى الجهل والكفر، فلا يقدر اللّه حقّ قدره، ولا يعظم جناب ربّه.
قل أيها النّبي لهؤلاء المشركين على سبيل التهديد والوعيد والإنذار : اللّه هو القادر على أن ينزل عليكم ألوان العذاب المختلفة، كالرّجم بالحجارة أو الصواعق، أو البراكين والزلازل، أو الطوفان أو أعاصير الريح أو الخسف المعهود في الأمم السابقة، أو إيقاع الفرقة والفتن والاختلاط والاختلاف والاضطراب، حتى تصير الأمة شيعا وأحزابا وجماعات، كل فرقة لها اتجاه ومنهاج، فيقع التقاتل والتحارب، ويذيق بعض الناس بأس بعض وشدته، حتى يقتل بعضهم بعضا. والتّفرق والاقتتال أهون وأخفّ من عذاب الاستئصال.
انظر أيها النّبي على سبيل التعجيب كيف ننوّع أساليب الكلام، وكيف نبيّن الدلائل بوجوه مختلفة، إما بطريق محسوس أو بطريق معقول، لعلهم يفهمون الإنذارات ويتدبرون عن اللّه الحجج والبيّنات، فتحدث عندهم العبرة والعظة وتصحيح الأحوال. والمراد بذلك صرف أولئك الغواة المشركين عن غيّهم، وتوجيههم نحو ما يسعدهم وينجيهم.
ولكن أولئك المشركين من قريش وأمثالهم كذّبوا بالقرآن الذي جاء به محمد رسول اللّه، وبالهدى والبيان وبالعذاب الذي هدّدوا به، والحال أن القرآن وإنذاراته حق