تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٧٨
و لو أشرك هؤلاء المهتدون بربّهم، مع فضلهم وارتفاع درجاتهم، لبطل أجر عملهم كغيرهم في إحباط أعمالهم، أي تلفها وذهابها لسوء غلب عليها. وهذا غاية العدل وإحقاق الحقّ في محاربة الشّرك والمشركين.
أولئك المذكورون من الأنبياء السابقين، رسالتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد اللّه تعالى، وقد آتاهم اللّه الكتب السماوية وهي الصّحف والتوراة والإنجيل والزّبور، وأعطاهم اللّه الحكم أي الحكمة وهي الفطنة والفقه في دين اللّه والعلم النافع، ومنحهم ربّهم النّبوة : وهي إنزال الوحي عليهم لتبليغ أمر اللّه ودينه، فإن يكفر بالكتاب والحكم والنّبوة هؤلاء المشركون من أهل مكة، فقد وكّل اللّه برعايتها والإيمان بها قوما كراما ليسوا بها بكافرين، آمنوا بها وعملوا بأحكامها ودعوا الناس إليها.
أولئك الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين هم الذين هداهم اللّه، فاقتد بهم، أيها النّبي الرّسول واتّبع آثارهم في القول والفعل والسّيرة، وأمر الرسول باتّباع الأنبياء أمر لأمّته، وقل أيها النّبي لمن أرسلناك إليهم : لا أطلب على تبليغ القرآن أجرا من مال ولا غيره من المنافع الخاصة، وما هذا القرآن إلا تذكير وموعظة للعالمين من الإنس والجنّ، وإرشاد وهدى للمتّقين.
إثبات ظاهرة الوحي للأنبياء
ظاهرة الوحي للأنبياء والرّسل على ممرّ التاريخ حقيقة واضحة ملموسة، كان يشاهدها الأصحاب والأتباع أمام أعينهم، ويسهل التصديق بوجود الوحي على كل من عرف قدرة اللّه على إيجاد الأشياء وخلقها، فليس الوحي مجرد أوهام، أو تقمّصات روحانية، أو وساوس شيطانية لأن هذه الأحوال لا ثبات لها، ولا تنتج