تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٨٥
هذه الآيات الكريمات تنبيه على مواطن العبرة والنظر، وضرورة التّأمّل في آفاق الكون الزاخرة بالبراهين الحسية على وجود اللّه تعالى، فهي ترشدنا إلى حقيقة بالغة واضحة، وهي أن اللّه سبحانه لا هذه الأصنام وبقية المخلوقات، هو فالق الحبّ والنّوى أي البزر، يشقّها بقدرته في التراب، فتنفلق منها النّبتة الصغيرة ذات الجذر الضعيف والوريقة الدقيقة، ويبين بعضها عن بعض، فيخرج منها- أي (من تلك النّوى)- الزرع على اختلاف أصنافه من الحبوب، والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها، ويظهر النبات الحيّ المتحرّك من الحبّ والنّوى الذي هو جماد كالميت، ويوجد الحبّ والنّوى الميت من النبات الحيّ، والنطفة والبيضة من الحيوان، والإفرازات مثل اللبن من الحيوان الحيّ، ويتحقق النمو والتكاثر بين الحي والميت، والميت والحي، وهذا في المادّيات، وكذلك في المعنويات يخرج اللّه المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، ذلكم الفاعل هذا هو اللّه المتّصف بكمال القدرة، وبالغ الحكمة، المحيي والمميت، والموجد والمعدم، فكيف تصرفون أيها البشر عن إدراك الحق، وتعدلون عنه إلى الباطل، فتعبدون معه غيره، وتشركون به شريكا آخر عاجزا، لا يقدر على شي ء من ذلك.
وتأمّل أيها الإنسان أيضا، فإن اللّه هو فالق الإصباح الذي يشقّ فجر النّور من أوساط الظلام، فهو خالق الضياء والظلام، وهو سبحانه الموجد سكون الليل وهدوءه، المبدع نظام الشمس والقمر طريقا للحساب ومعرفة عدد الشهور والسنوات، وكلاهما يجري بحساب دقيق لا يتقدم ولا يتأخر، ذلك الإبداع الشامل حاصل بتقدير اللّه القوي القاهر الذي لا يمانع ولا يغالب، العليم بكل شي ء، فلا يغيب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء.
واللّه سبحانه هو الذي أوجد النجوم والكواكب الأخرى غير الشمس والقمر،