تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٥٩٣
بقدرة اللّه تعالى وعظمته. وهكذا كل طاعة أو مصلحة أدّت إلى معصية أو منكر أو مفسدة تترك. وكما زيّن اللّه للمشركين حبّ الأصنام والانتصار لها، زيّن لكل أمة من الأمم سوء عملهم من الكفر والضلال، فتلك سنة اللّه في خلقه، يستحسنون العادات والتقاليد القبيحة عن تقليد وجهل، أو عن معرفة وعناد، واللّه يتركهم وشأنهم. وهذا التّزيين للمنكر والضّلال أثر لاختيارهم دون جبر ولا إكراه، لا أن اللّه خلق في قلوبهم تزيينا للكفر والشّر، كما زيّن اللّه في قلوب الآخرين الإيمان والخير. ثم قال تعالى : ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وهذا يتضمن وعدا جميلا للمحسنين، ووعيدا ثقيلا للمسيئين.
ثم أوضح اللّه تناقض المشركين في أقوالهم وخيانتهم في أفعالهم، فإنهم حلفوا أيمانا مؤكّدة بالله : لئن جاءتهم آية، أي معجزة مادّية محسوسة، وخارقة للعادة من الآيات الكونية التي يقترحونها، ليصدقن بها أنها من عند اللّه، وأنك رسول اللّه، غير أنهم قوم معاندون، فإذا جاءتهم الآيات أو المعجزات لم يؤمنوا بشي ء منها. وردّ اللّه عليهم.
قل يا محمد لهؤلاء الطالبين آيات تعنّتا وعنادا وكفرا : إنما مرجع هذه الآيات إلى اللّه، وهو القادر عليها، إن شاء أتى بها، وإن شاء ترككم فلا ينزلها إلا على موجب الحكمة. وما يدريكم إيمانهم إذا جاءتهم الآيات، فهو لا يؤمنون بها، لسبق علم اللّه أنهم لن يؤمنوا.
وما يدريكم أننا- نحن اللّه- نحوّل قلوبهم عن إدراك الحق، والإيمان، ونصرف أبصارهم عن إبصار الحق، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة حين أتتهم الآيات التي عجزوا عن معارضتها مثل القرآن وغيره، لتمام إعراضهم عن إدراك الحقائق، وما يشعركم أيضا أننا نذرهم ونخلّيهم وشأنهم


الصفحة التالية
Icon