تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٠٠
و المعنى : فامض يا محمد لما أمرت به، وأنفذ رسالتك وأبلغ دعوتك، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض من الكفار والمشركين في أمور الدين، وتخالف ما أنزل اللّه عليك، يضلّوك عن دين اللّه ومنهجه وسبيله، سبيل الحق والعدل والاستقامة، لأنهم لا يتّبعون إلا الأهواء والظّنون الباطلة أو الكاذبة، ولا يحترمون الموازين الفكرية والأدلّة العقلية، وما هم إلا يحزرون ويخمّنون تخمينا عاريا عن الصحة والحقيقة، كخارص (مخمن) ثمر النّخل والعنب وغيرهما، فاعتقادهم قائم على الحدس والتّخمين، لا على البرهان والدليل.
وإن ربّك عليم بالضّالّين عن سبيله القويم، وعليم أيضا بالمهتدين السالكين سبيل الاستقامة، وليس كما يزعم المشركون.
ثم أمر اللّه تعالى بأكل ما ذكر اسم اللّه عليه، وأن يكون الأكل مقصورا على ذلك، إن كنتم أيها المسلمون مؤمنين بآيات اللّه، والحذر كل الحذر مما ذبح للأصنام والأوثان ولغير اللّه.
وأي شي ء لكم في ألا تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه، وترك الأكل مما ذبح للأصنام، فليس هناك شي ء يمنعكم من هذه المآكل، والحال أن اللّه قد بيّن لكم المحرّم عليكم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح لغير اللّه كالأصنام والأنبياء والأولياء والزعماء، لكن الذي اضطررتم إلى أكله مما هو محرّم عليكم، فإنه يباح لكم ما وجدتم حال الضرورة. وإن كثيرا من الكفّار ليضلّون الناس بتحريم الحلال، وتحليل الحرام، بأهوائهم وشهواتهم الباطلة، وبغير علم أصلا، إنما هو محض الهوى، واللّه أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم، وسيجازيهم على هذا الاعتداء والتجاوز، لا محالة.
ثم أمر اللّه تعالى بترك جميع الآثام والمعاصي المعلنة والسّرية، سواء ما صدر عن الأعضاء كالسّرقة والغصب، أو كان من أفعال القلوب كالحقد والحسد، إن الذين