تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٠٥
فردّ اللّه عليهم بقوله : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ أي أن اللّه أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه، فالرسالة منصب ديني له مقومات خاصة، وفضل من اللّه يمنحه من يشاء من عباده، لا ينالها أحد بخصائص دنيوية عادية، كالمال والولد والزّعامة والنفوذ، وإنما تؤتى من هو أهل لها، لسلامة فطرته، وطهارة قلبه، وقوة روحه، وحسن سيرته وحبّه الخير والحق.
ثم أعلن اللّه وعيده الشديد لكل المتخلّفين عن الإيمان برسالة القرآن ودعوة النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فسيلحق المجرمين يوم القيامة ذلّ وهوان دائمان، ويدركهم العذاب المؤلم الشديد، جزاء بما كانوا يمكرون، وعقوبة لتكبّرهم عن اتّباع الرّسل، والانقياد لهم فيما جاؤوا به، كقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر : ٤٠/ ٦٠] أي صاغرين ذليلين حقيرين.
ثم جاء قرار الحسم وهو أنه لا داعي للتأسّف على إعراض المشركين عن دعوة الإسلام، فمن يرد اللّه أن يوفّقه للحق والخير والإسلام، ومن كان أهلا بإرادة اللّه وتقديره لقبول دعوة القرآن، فإنه يشرح صدره له، وييسره وينشطه ويسهله لذلك، ومن فسدت فطرته بالشّرك، ولم يكن مستعدّا للإيمان، ولا أهلا، يجعل اللّه صدره ضيّقا شديدا عازلا عن قبول الإيمان، كاتما له عن نفاذ الخير إليه، مثله كمثل من يصّعّد إلى السماء في طبقات الجو العليا، حيث يشعر بضيق شديد في التنفس، وكأنما يزاول أمرا غير ممكن لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد عن الاستطاعة، وتضيق عنه المقدرة. وكما يضيّق اللّه صدر المعاندين، كذلك يسلّط اللّه العذاب أو الشيطان عليهم وعلى أمثالهم ممن أبى الإيمان بالله ورسوله، فيغويه ويصدّه عن سبيل اللّه سبيل الحق.
والهدي في هذه الآية : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ : هو خلق الإيمان في القلب