تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦١
و لقد كان إبراهيم متكملا بالملّة الحنيفية وأرادها لأولاده، فوصّى بها بنيه، وكذلك يعقوب قائلا : يا بني إن اللّه اختار لكم هذا الدين، وهو كدين محمد صلّى اللّه عليه وسلم في أصول الدين العامة، فاثبتوا على الإسلام ولا تفارقوه.
فهل يتبع اليهود آباءهم إبراهيم ويعقوب أو لا؟! ثم قال تعالى :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٣]
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)
[البقرة : ٢/ ١٣٣].
نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلم : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية. فرد اللّه تعالى عليهم :
ما كنتم أيها اليهود المكذبون بالنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم حاضرين حين احتضر يعقوب، فلا تكذبوا عليه، فإني ما أرسلت إبراهيم وبنيه إلا بالحنيفية وهي ملة التوحيد والإسلام، وبه أوصوا ذرياتهم، بدليل أن يعقوب قال لأولاده : أي شي ء تعبدون بعد موتي؟
فقالوا : نعبد إلهك اللّه الواحد وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ونحن له منقادون خاضعون لحكمه.
وقد ردّ اللّه على اليهود ادّعاءهم أنهم نسل الأنبياء وحفدتهم، فلا يدخلون النار إلا أياما معدودات، ومضمون الرّد أن كل إنسان مسئول مسئولية شخصية عن نفسه، والأمة الماضية لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، لا ينتفع بعملها أحد ولا يتضرّر : وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [فاطر : ٣٥/ ١٨] فلا ينفع السابقين إلا عملهم، كذلك من بعدهم لا ينفعهم إلا عملهم، قال اللّه تعالى :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٤]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)
«١» حدث مرة أن رؤوس يهود المدينة (كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبو

(١) مضت.


الصفحة التالية
Icon