تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦١٠
أطاع اللّه وآمن به وعمل صالحا، استحقّ الثواب والمكافأة الحسنة، ومن جحد وكفر وعمل شرّا، استحقّ العقاب والجزاء الشديد. وكل ما نزل وينزل بالمسلمين اليوم إنما هو لسوء أعمالهم، وتقصيرهم في تطبيق أمور دينهم. ولقد أخطأ كل الخطأ من نسب التّخلف للدين، وترك أمر الناس الذين أصبحوا بلا دنيا ولا دين.
وما الدين إلا دافع لكل فضيلة وتقدّم، ومانع من كل رذيلة وتخلّف، ولا نجد مثل الإسلام يرغّب في الطاعة والعمل والعطاء، ويرهّب من العصيان والخمول والأخذ والاعتماد على جهود الآخرين لهذا جعل القرآن تفاوتا في المنازل والدّرجات بحسب تفاوت الأعمال، فذكر أن لكل عامل في طاعة اللّه أو معصيته مراتب ومنازل من عمله، يبلّغه اللّه إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
واللّه مطّلع رقيب على كل الأعمال، فما من عمل للعباد إلا يعلمه، وهو محصيه ومثبته لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائه إياهم، ومعادهم إليه.
وهذا دليل على أن مناط السعادة والشقاء : هو عمل الإنسان وإرادته، وكسبه واختياره، وإن كان لا يقع شي ء في ملك اللّه إلا بإرادته، وإلا كان ذلك قهرا، يتنافى مع ملك المالك وهو اللّه سبحانه، تنزه اللّه عن كل نقص، وتبرأ من كل عيب، واللّه مع المحسنين أعمالهم، المقبلين على ربّهم.
تهديد كفّار قريش وإنذارهم
لم يترك اللّه تعالى في قرآنه وسيلة لدفع الناس إلى الإيمان وترك الكفر إلا ذكرها، ولم يهمل طريقة إصلاحية إلا سلكها، سواء بالترغيب تارة، والترهيب تارة أخرى، وهذا الحرص التربوي رحمة من اللّه بعباده، وفضل وإحسان لا نجد له نظيرا عند علماء التربية أو الحكماء والفلاسفة، والسبب في ذلك أن تربية القرآن غير مشوبة


الصفحة التالية
Icon