تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٢٣
ظنهم أن ترك اللّه لهم دليل على رضاه بحالهم. فتكذيبهم وتكذيب من قبلهم لا أساس له من العلم والعقل لأنهم كذبوا الرّسل، ولو كان قولهم صحيحا لما عاقبهم اللّه تعالى على كفرهم لأن اللّه عادل. واللّه سبحانه أذاقهم بأسه، أي عذابه بناء على اختيارهم وإرادتهم، وإن كان كل شي ء لا يقع في الكون إلا بإرادة اللّه ومشيئته.
ثم أمر اللّه نبيّه أن يطالبهم بالبرهان على ما زعموا بقوله : قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا.. أي هل لديكم أمر معلوم وبرهان واضح يصحّ الاحتجاج به فيما قلتم، فتظهرونه وتبيّنونه لنا لنفهمه. وحقيقة حالهم هي أنه لا حجة ولا برهان على ما يقولون، وما يتّبعون إلا الوهم والخيال والاعتقاد الفاسد، وما هم إلا يكذبون على اللّه فيما ادّعوه.
ثم أورد اللّه تعالى الدليل القاطع على الدين الحق بقوله : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ والمعنى : قل أيها الرّسول لهؤلاء المشركين الجاهلين بعد بطلان حجتهم : لله تعالى الحجة الكاملة على ما أراد من إثبات الحقائق وإبطال الباطل، وحجته بالغة غاية المقصد في الأمر المحتجّ به، فإن مشيئة اللّه تعالى لا تعني رضاه عن أعمالهم، واللّه بيّن الآيات، وأيّد الرّسل بالمعجزات، وألزم أمره كل مكلف، وإرادته وعلمه وكلامه غيب لا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضى من رسول، وليس الإنسان مجبرا على الإيمان أو الكفر والمعصية، وإنما هو بنفسه الذي يختار عمله ومنهاجه، ولو كان المكلف مجبرا لما اقتضى العدل الإلهي تكليفه بشي ء، وإثابته وعقابه في الآخرة. واللّه قادر على هداية الناس أجمعين.
ومن أدلة إبطال تذرّع المشركين بشبهتهم : مطالبتهم بأن يأتوا بشهود يشهدون على صحة ما يدّعونه من تحريم اللّه هذه المحرمات، وهذا هو قوله تعالى : قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ أي أحضروا شهداءكم الذين يشهدون لكم عن عيان أن اللّه حرّم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه وكذبتم وافتريتم على اللّه فيه.