تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٢٩
ثم أوضح اللّه تعالى سوء عاقبة من كذب بالقرآن، فذكر أنه لا أحد أظلم ممن كذّب بهذه الآيات البيّنات، بعد أن عرف صحتها وصدقها، وأعرض عنها، ومنع الناس عن التفكير فيها والإيمان بها، كما كان يفعل زعماء مكة، كما قال تعالى :
وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [الأنعام : ٦/ ٢٦].
ثم هدّد اللّه وأوعد بالعقاب لكل معرض عن القرآن العظيم، فذكر أنه سبحانه سيجازي المعرضين الحائدين عن آيات اللّه أشدّ العذاب بسبب حجب عقولهم ونفوسهم وغيرهم عن هداية اللّه والإعراض عنها لأنهم يتحملون وزرهم ووزر من منعوهم عن الحق، وحالوا بينهم وبين هداية اللّه، والإيمان بما أنزل اللّه، كما جاء في آية أخرى : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨) [النّحل : ١٦/ ٨٨].
أي زدناهم عذابا غير عذابهم، بسبب إفسادهم وصدّهم عن سبيل الحق. وبهذا يتبيّن أنه لا عذر لأحد في الجهل بما جاء عن اللّه من أحكام وشرائع، ففي القرآن بيان كاف من اللّه، وهدى للزائغين، ورحمة للمؤمنين. ومن اهتدى بهدي اللّه فاز ونجا، ومن استنكف خسر وهلك، ولا يضرنّ إلا نفسه، وسيجزي اللّه الشاكرين.
تهديد المعاندين وترغيب المحسنين
رسالة القرآن المجيد رسالة إصلاح وتغيير شامل للفرد والجماعة، تبدأ بالعقيدة فالعبادة فالمعاملة، وتنتهي بنظام المجتمع والأمة، وإذا أراد الناس بأنفسهم خيرا، استمعوا لتوجيهات اللّه تعالى في الحياة، وبما أن القرآن منبر تربية وتوجيه حكيم حذر من ترك الإيمان بالله تعالى ربّا واحدا لا شريك له، وحذّر من الفرقة