تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٦٠
و لهؤلاء المجرمين من نار جهنم فراش يفترشونه من تحتهم، وأغطية من فوقهم، والمراد أن النار محيطة بهم، مطبقة عليهم من كل جانب، كما قال اللّه تعالى : إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) [الهمزة : ١٠٤/ ٨]. وقال : وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة : ٩/ ٤٩] وقال سبحانه : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ [الزمر : ٣٩/ ١٦].
ومثل ذلك الجزاء نجزي الظالمين أنفسهم وغيرهم من الناس، وهذا دليل على أن المجرمين والظالمين هم الكافرون، لقوله تعالى : وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة : ٢/ ٢٥٤].
إن هذا الجزاء الحاسم للكفار يتطلب التأمل والاعتبار والاتعاظ، فلا يقبل لهم عمل صالح في الآخرة، لأن قبول العمل مرتكز على قاعدة صحيحة هي الإيمان والتقوى، واللّه إنما يتقبل من المتقين، ويقبل العمل الصالح لا الفاسد، ويرفع إليه الكلم الطيب، لقوله تعالى : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر :
٣٥/ ١٠] وقوله سبحانه : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) [المطفّفين : ٨٣/ ١٨].
وفي قوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ تشبيه المعنويات بصور المحسوسات، فإن جهنم فراش لهم ومسكنو مضجع يتمهدونه، وهي لهم غواش :
جمع غاشية، وهي ما يغشى الإنسان، أي يغطّيه ويستره من جهة فوق، فكأن النار التي من تحتهم ومن فوقهم ومن جميع جوانبهم مثل الفراش المفترش، واللحاف الذي يتغطى به النائم، نعوذ بالله من الخذلان ومن شدة نار جهنم.
جزاء المؤمنين المصدّقين
إن أسعد ما يفرح قلوب العاملين في الدنيا والآخرة : هو الظفر بالأجر والثواب، لأن العدل يقتضي ذلك، ولأنه يشعر العامل أن عمله محفوظ محترم، وثمرة جهوده لم