تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٦٦
بين الجنّة والنار ينادون رجالا من المشركين من أهل النار، يعرفون كلّا منهم بسيماهم، أي بعلامتهم : وهي سواد الوجوه وقبحها في أهل النار وما عليها من الغبرة، وزرقة العيون وتشوية الخلقة، قائلين لهم : أي شي ء أغناكم عنه جمع المال، أو اجتماعكم وكثرتكم، واستكباركم عن الإيمان برسالة النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وتكبّركم على المستضعفين والفقراء من المسلمين كصهيب وبلال وآل ياسر؟ لم يمنع عنكم ذلك كله شيئا من العقاب، ولا أفادكم شيئا من الثواب، بل صرتم إلى ما أنتم عليه من العذاب والنّكال. وتبدّدت مزاعمكم التي كنتم تردّدونها أن من أغناه اللّه في الدنيا، وجعله قويّا هو الذي له نعيم الآخرة، وذلك في قول اللّه تعالى : وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) [سبأ : ٣٤/ ٣٤- ٣٥].
ثم سألوهم سؤال توبيخ وتقريع عن حال المستضعفين الذين كانوا يضطهدونهم في الدنيا بسبب إيمانهم وإسلامهم كآل ياسر وخبيب وصهيب وبلال الحبشي، فقالوا لهم : أهؤلاء الذين أقسمتم أو حلفتم في الدنيا ألا ينالهم اللّه أبدا برحمة لفقرهم وضعفهم وقلة أتباعهم، وهم الآن في رياض الجنّة ونعيمها ويتمتّعون بخيراتها، وغيرهم من جبابرة الكفار وزعماء الشرك يتقلّبون في حرّ جهنّم ويتلظّون في سعيرها.
أ هؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن اللّه لا يعبأ بهم، قيل لهم من اللّه أو من الملائكة : ادخلوا الجنة من غير خوف على ما يأتي، ولا حزن على ما فات؟! وأقسم أهل النار من المشركين : أن أهل الأعراف داخلون النار معهم، فنادتهم الملائكة : إن أهل الأعراف الموقوفين على السّور يقال لهم : ادخلوا الجنّة، لا خوف عليكم في المستقبل، ولا يطرأ عليكم حزن في الحاضر ولا تأسّف على ما فات في الماضي.


الصفحة التالية
Icon