تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٦٩
النار بفرج بعد اليأس، فقالوا : يا ربنا، إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر اللّه الجنة فتزحزحت، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، وقد اسودّت وجوههم، وصاروا خلقا آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا : أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ. وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب، بسبب شدة حر جهنم.
ثم وصف اللّه تعالى الكافرين أهل النار بأنهم استحقوا النار لاتخاذهم الدّين لعبا ولهوا، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفتها، عما أمروا به من العمل للآخرة، وجعلوا دينهم أعمالا لا تزكي الأنفس ولا تفيد، بل هي لهو يشغل الإنسان عن الجد، أو لعب لا يقصد منه فائدة صحيحة، فهي كأعمال الأطفال.
إنهم اغتروا في حياتهم الدنيوية بالشهوات والزخارف والزينة واللذات من الحلال والحرام، وسخروا بالدين وأهله، وأعرضوا عن هدي اللّه في قرآنه، فكان جزاؤهم أن يعاملوا معاملة المنسي من الخير لأن اللّه تعالى لا يخرج شي ء عن علمه ولا ينساه، ويتركوا في نار جهنم، كما تناسوا لقاء اللّه ولم يعملوا له، وأنكروا ما جاءت به الرسل وآيات اللّه. إن اللّه يتركهم في عذاب النار، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء اللّه يوم القيامة، وكما جحدوا بآيات اللّه التنزيلية والكونية.
وقد سمى اللّه جزاء نسيانهم نسيانا من قبيل المشاكلة والمشابهة لأفعالهم، كما في قوله تعالى : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى : ٤٢/ ٤٠] مع أن الجزاء حق وعدل وليس سيئة، والمراد من كل هذا أنهم يهملون، وأن نسيان اللّه لهم معناه : أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحمهم، وأن النسيان في قوله سبحانه : فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ هو بمعنى الترك، أي تركهم في العذاب، كما تركوا النظر للقاء اللّه يوم القيامة.