تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٧٧
و يتطلب الدعاء أيضا ما قاله تعالى : وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أي ادعوا اللّه خوفا من عقابه، وطمعا في جزيل ثوابه. فإذا دعا الإنسان متذلّلا لربّه خاضعا لجنابة، معتقدا ذلك في قلبه، خائفا من عذاب اللّه، طامعا في فضله وثوابه، كان دعاؤه أقرب إلى الإجابة، قال اللّه تعالى في ختام الآية : إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي إن رحمة اللّه وإجابته قريبة من المحسنين أعمالهم، وهي مرصدة للمحسنين الذين يتّبعون أوامره ويتركون زواجره، فمن أحسن الدعاء أعطي خيرا مما طلب أو مثله، أو دفع عنه من الشّر مثله. كما قال اللّه تعالى : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النّجم : ٥٣/ ٣١].
وحذف التاء من قوله تعالى : قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ في صفة الرّحمة إما على جهة النّسب أي ذاب قرب، كأنه قال : إنّ رحمة اللّه ذات قرب، وإما على أن كلمة (قريب) إذا استعملت في قرب المسافة أو قرب الزمن، فإنها تجي ء مع المؤنث بتاء، وقد تجي ء بغير تاء. والمعنى أن إجابة الدعاء تكون قريبة الحصول في زمان يسير إذا كان الدّاعون محسنين في دعائهم، غير معتدين بالإفساد أو الظلم أو مخالفة أوامر اللّه ونواهيه. ويفهم منه : ليس للّه في حقّ الكافر رحمة ولا نعمة في الآخرة.
إثبات البعث والمعاد
لكل شي ء في هذا العالم غاية ومقصد، وحكمة وهدف، وإذا كان الناس في الحياة الدنيا يعيشون ويموتون، ويتفاوتون في أعمالهم ومدى استقامتهم وعصيانهم، ثم لا يكون هناك عالم آخر يحقق التّناصف بينهم، فلا طعم لهذه الحياة، ولا عدل في الإيجاد والخلق والوجود في الدنيا. واللّه تعالى منزه عن الظلم، متّصف بالقسط التّام والعدل الدقيق الشامل، فاقتضى عدله وإنصافه جمع الناس ليوم المعاد والآخرة