تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٨١
الأبرار في ضلالة، وهم دائما أعداء الهداة والمصلحين. والأظهر أن قولهم : إِنَّا لَنَراكَ هي رؤية القلب.
فأجابهم نوح عليه السّلام على سبيل الأدب الجمّ والإعراض عن جفائهم، وسعة الصدر التي تتميز بها أخلاق الأنبياء : لست بهدايتكم إلى توحيد اللّه ودعوتكم إلى سعادة الدنيا والآخرة ممن اتّصف بالضّلالة والانحراف، ولكني رسول من عند اللّه ربّ العالمين. وقوله : وَلكِنِّي رَسُولٌ تعرض لمن يريد النظر والبحث والتأمل، في المعجزة النّبوية. ولا شكّ بأن نوحا عليه السّلام وكل نبي مبعوث إلى الخلق كانت له معجزة تخرق العادة، فمنهم من عرفنا معجزته، ومنهم من لم نعرف.
أبلغكم ما أرسلني به ربّي من الدعوة إلى التوحيد الخالص، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما اشتمل عليه من جنّة ونار، وثواب وعقاب، وأبيّن لكم أصول العبادات والمعاملات وأحكامها العامة وفضائل الأخلاق والآداب. وأنصح لكم نصحا خالصا من شوائب المصلحة والمكر، بتحذيركم من عقاب اللّه على كفركم وتكذيبكم لي. وأنا في هذا التّبليغ والنّصح أعلم من اللّه ما لا تعلمون، أي أعلم المعلومات المخوّفات عليكم، لا سيما وهم لم يسمعوا بأمة قط عذّبت، فاللفظ فيه معنى الوعيد والتخويف.
أَ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذا الاستفهام بمعنى التقرير والتوبيخ على ما وقع منهم على جهة الاستبعاد، أي كيف تتعجّبون من مجي ء تذكير إلهي يذكّركم، ووعظ من ربّكم، على لسان رجل منكم، ليحذّركم عاقبة كفركم، وينذركم عاقبة الشّرك في العبادة، وليحملكم على تقوى اللّه بالتزام الأوامر الإلهية واجتناب النّواهي، للنّجاة من العذاب، ولكي يرحمكم اللّه بتقواه إن وجدت منكم.
فالوحي من اللّه إلى رجل من جنسكم رحمة بكم، ولطف وإحسان إليكم،