تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٨٦
هناك تشابه واضح بين رسالتي هود وصالح عليهما السّلام اللذين كانا عربيّين كإسماعيل وشعيب، وبين أقوامهما وهم عاد وثمود من سلالة نوح عليه السّلام، ومن العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل عليه السّلام. وكانت ثمود تسكن بعد عاد بالحجر بين الحجاز والشّام. وأخوة صالح لقومه ثمود كأخوة هود لقومه عاد أخوة قرابة ودم لا أخوة دين وإيمان، وكانت قبيلة ثمود مثل قوم نوح وعاد تدين بعبادة الأصنام يشركونها مع اللّه في العبادة، وآتاهم اللّه نعما كثيرة، فأرسل اللّه إليهم صالحا نبيّا ورسولا عليه السّلام، واعظا ومذكّرا لهم بنعم اللّه وآياته الدّالة على توحيده، وأنه يجب إفراده بالعبادة.
قال صالح لقومه : يا قوم اعبدوا اللّه، ليس لكم إله غيره، قد جاءتكم حجة أو موعظة واضحة من ربّكم تدلّ على صدق رسالتي، وهي هذه الناقة بناء على اقتراحكم، لكم آية خاصة دالّة على صدقي، لأنكم المشاهدون لها وحدكم، فاتركوها تأكل في أرض اللّه، ولا تتعرّضوا لها بسوء، فيصيبكم عذاب أليم. وكانت هذه النّاقة تقاسم ثمود في الماء يوما بيوم، فكانت ترد ماء بئر فتشربه كله، ويحلبون منها ما شاؤوا، ثم تمكث يوما، وترد بعد ذلك غبّا، فاستمرّ ذلك ما شاء اللّه، حتى ملّتها ثمود وقالوا : ما نصنع باللبن؟ الماء أحبّ إلينا منه، فتمالؤوا على قتل النّاقة.
وأضاف صالح قائلا لقومه : تذكروا نعمة اللّه عليكم حين جعلكم خلفاء في الأرض، من بعد قوم عاد في الحضارة والعمران، وأورثكم أرضهم، فبنيتم القصور الشاهقة في السهول، وتنحتون البيوت في الجبال، وآتاكم القوة والصّبر، فاذكروا نعم اللّه عليكم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.
فأجابه الملأ (و هم أشراف القوم) المتكبّرون من قومه للمستضعفين الذين آمنوا منهم : أتعلمون أن صالحا مرسل من عند ربّه؟ والعادة المتّبعة : أن الأنبياء يتبعهم