تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٩١
لقد جاءتكم آية بيّنة واضحة من ربّكم، دالّة على صدقي ونبوّتي، فأوفوا الكيل والميزان بالحق والعدل، ولا تنقصوا الناس شيئا من حقوقهم، في بيع أو شراء، أو حق مادّي أو معنوي، وإياكم أن تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بأي نوع من أنواع الفساد كالظلم والرّشوة وأكل أموال الناس بالباطل وارتكاب الفواحش وإشاعة الانحلال الخلقي، ذلكم المنهي عنه إذا تركتموه نافع لكم عند اللّه، مكسب الفوز والرّضوان، بشرط الإيمان والتوحيد، وإلا فلا ينفع عمل بدون إيمان.
وإياكم أن تقعدوا في الطرقات لصدّ الناس عن دين اللّه، فإنهم كما قال ابن عباس : كانوا يجلسون في الطريق، فيقولون لمن أتى إليهم : إن شعيبا كذّاب، فلا يفتننكم عن دينكم، ويقولون أيضا : لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ [الأعراف :
٧/ ٩٠].
لا تصدوا عن سبيل اللّه من آمن به من الناس، ولا تطلبوا اعوجاجا لسبيل اللّه ودينه بما تصفون وبما تكذبون وتشوهون الحقائق.
واذكروا نعم اللّه عليكم حين كنتم قلة في المال والرجال والسّطوة، فكثّركم بعد قلّة، وأغناكم بعد فقر، ومنحكم القوة والجاه بعد الضعف والمذلّة، واتّعظوا بمن كان قبلكم، وانظروا كيف كان مصير المفسدين الظالمين من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط.
وإذا كان جماعة منكم آمنوا برسالتي وصدقوا بنبوتي، واعتقدوا بوحدانية اللّه تعالى، وجماعة آخرون لم يؤمنوا برسالتي، كما هو شأن أتباع كل نبي، إن كان هذا فاصبروا أيها الكفرة حتى يحكم اللّه بيني وبينكم، بأن ينصر المحقّين على المبطلين، واللّه خير الحاكمين بالعدل، وهذا تهديد ووعيد لهم بانتقام اللّه منهم، وجعله العاقبة للمتقين والدّمار للكافرين لأن حكم اللّه حقّ وعدل، لا يخاف فيه الحيف أو الظلم.