تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٦٩٧
سنّة اللّه في تأديب القرى
تتعدّد الأساليب الإلهية في إصلاح البشر، وإصلاح أهل القرى أو المدن، وحملهم على الإيمان باختيار وطواعية دون قسر ولا إكراه، وذلك كله من أجل خير الإنسان وإسعاده. ومن هذه الأساليب : الابتلاء بالشدة والمصائب في المكاسب والأموال، وربط الرخاء والخير بالاستقامة والإيمان بالله ورسله. قال اللّه تعالى :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٦ الى ١٠٠]
وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [الأعراف : ٧/ ٩٦- ١٠٠].
أبان اللّه تعالى في آية سابقة أن الذين عصوا وتمردوا من أهل القرى والمدن أخذهم اللّه بغتة أي فجأة، وأبان في هذه الآيات أنهم لو أطاعوا ربّهم لفتح اللّه عليهم أبواب الخير، ثم جاء الجميع الإنذار بالعذاب المبكّر ليلا أو نهارا إذا كذبوا الرّسل دعاة الإصلاح والإيمان بالله وحده لا شريك له.
هذا إخبار عن نظام اللّه في الكون وسنّته تعالى في الخلق في الماضي والحاضر والمستقبل، ليتّعظ الناس ويعتبروا، وذلك النظام وتلك السنّة : أنه لو آمن أهل القرى والمدن كأهل مكّة وغيرهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واتّقوا ما نهى اللّه عنه وحرّمه من الشّرك والفساد في الأرض بارتكاب الفواحش والآثام لو آمنوا وأطاعوا واتّصفوا بالتّقوى، لتبع ذلك توارد أفضال اللّه ورحماته، وإنعامه وإنزال
(٢) ليلا.
(٣) عقوبته.
(٤) لم يبين.
(٥) نختم.